"ص : 23
بأمر واحد ، فالحقّ بالنسبة إلى كلّ ناظر هو ما استصوبه ورجّحه واطمأنّ به ، وليس تطرّق الإشكال ظاهرا في دليل يوجب الجزم بفساده وعدم صحة ما قصد إثباته بذلك الدليل في نفس الأمر لأنّا نجد أمورا كثيرة لا يتأتّى لنا إقامة برهان على صحّتها ، مع أنّه لا شكّ في حقّيّتها عندنا ، وعند كثير من المتمسّكين بالأدلّة النظريّة ، وغيرهم. ورأينا « 1 » أيضا أمورا كثيرة قرّرت بالبراهين قد جزم بصحّتها قوم بعد عجزهم ، وعجز من حضرهم من أهل زمانهم عن العثور على ما في مقدّمات تلك البراهين من الخلل والفساد ، ولم يجدوا شكّا يقدح فيها ، فظنّوها براهين جليّة وعلوما يقينيّة. ثم بعد مدّة من « 2 » الزمان تفطّنوا - هم أو من أتى بعدهم - لإدراك خلل في بعض تلك المقدّمات أو كلّها ، وأظهروا وجه الغلط فيها والفساد ، وانقدح لهم من الإشكالات ما يوهن تلك البراهين ويزيّفها.
ثمّ إنّ الكلام في الإشكالات القادحة هل هي شبهة أو أمور صحيحة كالكلام في تلك البراهين ، والحال في القادحين كالحال في المثبتين السابقين فإنّ قوى الناظرين في تلك البراهين والواقفين عليها متفاوتة ، كما بيّنّا ولما ذكرنا ، والحكم « 3 » يحدث أو يتوقّع من بعض الناظرين في تلك الأدلّة بما يزيّفها بعد الزمان الطويل مع خفاء العيب « 4 » على المتأمّلين لها ، « 5 » المتمسّكين بها قبل تلك « 6 » المدّة المديدة وإذا جاز الغلط على بعض الناس من هذا الوجه ، جاز على الكلّ مثله ، ولو لا الغلط والعثور عليه واطمئنان البعض بما لا يخلو عن الغلط ، وبما لا يؤمن الغلط فيه - وإن تأخّر إدراكه - لم يقع بين أهل العلم خلاف في الأديان والمذاهب وغيرهما. فهذا من جملة الأسباب المشار إليها.
ثمّ نقول : وليس الأخذ بما اطمأنّ به بعض الناظرين واستصوبه وصحّحه في زعمه بأولى من الأخذ بقول مخالفه وترجيح رأيه. والجمع بين القولين أو الأقوال المتناقضة غير ممكن ، لكون أحد القولين مثلا يقتضي إثبات ما يقتضي الآخر نفيه ، « 7 » فاستحال التوفيق بينهما والقول بهما معا.
__________
(1). ه : رائينا.
(2). ق : بعد.
(3). في بعض النسخ : ولحكم.
(4). ق : الغيب.
(5). ق ، ه : لها و.
(6). ق : ذلك. [.....]
(7). ق ، ه : بنفيه.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
23 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق