"ص : 103
ولمّا صحّ أنّ الحقّ وسع كلّ شي ء رحمة وعلما ، والرحمة - كما قدّمنا - هي الوجود الشامل فإنّ ما عداه لا شمول فيه ولا عموم ، ظهرت إحاطة الاسم « الرّحمن » بالأشياء.
ولمّا كان لكلّ شي ء خصوصيّة يمتاز بها ، وحصّة متعيّنة « 1 » من الوجود المطلق لا يشارك فيها ، علم عموم حكم اسم « الرّحيم » أيضا على كلّ شي ء بالخصوص ، فصحّ أنّ الحقّ محيط بالأشياء كلّها علما ووجودا من حيث ذاته ، ومن حيث أسمائه الكلّيّة المذكورة في هاتين الآيتين.
ثم نقول : وكلّ ما ظهر وشوهد فمن بطون متقدّم على الظهور تقدّم الغيب على الشهادة ، سواء « 2 » كان التقدّم والأوّليّة - في جميع ما مرّ ذكره في هذا الباب - عند القائل »
به بالوجود ، أو بالمرتبة ، أو بهما معا.
فالاسم « الظاهر » وسائر ما ظهر به من الصور كانت غيبا في غيب الحقّ ، وكانت مستهلكة تحت قهر الوحدانيّة التي هي أقرب النعوت نسبة إلى الغيب الإلهي المذكور ، فمنعها حجاب الوحدانيّة والاستهلاك بالقرب المفرط من إدراكها ذاتها وربّها.
ثم أظهرها الحقّ بنور تجلّيه لما ميّزها حسب ما علمها ، فاستنارت بنوره ، وظهرت بظهوره ، فصارت مشهودة موجودة بعد أن كانت باطنة مفقودة ، وسمّيت المرتبة الجامعة لها من حيث نسبة ظهورها شهادة ، كما سمّيت المرتبة الباطنة المتقدّمة عليها الحاوية لكلّ ما ظهر غيبا.
والغيب غيبان : إضافي ، وحقيقي ، فالإضافي : ما يرد تفصيل حكمه. والحقيقي هو حضرة ذات الحقّ وهويّته.
سرّ الوحدة والكثرة
ومن المتّفق عليه أنّ حقيقته لا يحيط بها علم أحد سواه لأنّه لا يتعيّن عليه حكم مخصوص ، ولا يتقيّد بوصف ، ولا يتميّز ، ولا يتعيّن ، ولا يتناهى ، وما لا يتميّز بوجه لا يمكن
__________
(1). ق : معيّنة.
(2). في الأصل : وسواء.
(3). ق : القابل.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
103 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق