"ص : 129
ولو لا أنّ همم الخلق وعقولهم تضعف وتعجز عن الترقّي « 1 » إلى ذروة هذا الذوق ، وخرق حجبه والتنزّه في رياض نتائجه وكمالاته ، وطباعهم تمجّه لبعد المناسبة ، لأظهرت - مع عجزي وضعفي - من أسراره ما يبهر العقول والأذهان والبصائر والأفكار ولكن ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ « 2 » وقد حصل - بحمد اللّه - بهذا القدر تنبيه لكلّ نبيه ، وموافقة لشيخنا الإمام الأكمل رضي اللّه عنه ، حيث قرن الكلام على سرّ البداية بالكلام على سرّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ واستفتحه بهذا اللسان ، ثم بيّن بعد ذلك ما قدّر اللّه له بيانه.
ولعمر اللّه لم أقصد ذلك ، بل وقع هذا الكلام والموافقة والترتيب دون تعمّل ، وإنّما تنبّهت له فيما بعد ، فشكرت اللّه سبحانه على ذلك.
وسببه أنّي ما تصدّيت لنقل كلام أحد في هذا الكتاب ، لا الشيخ رضي اللّه عنه ولا غيره إلّا كلمات يسيرة أخطرها الحقّ بالبال دون قصد وتعمّل في جملة ما ورد من نفحات جوده ، وقد كان يقع ذلك لشيخنا رضي اللّه عنه ، ويقع لكثير من أهل الأذواق ، فيظنّ من لا يعرف أنّ ذلك نقل عن قصد وتعمّل بمطالعة واستكشاف وجمع وليس كذلك. وفي الأذواق النبويّة من ذلك كثير ، ولهذه الشبهة قالوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا « 3 » ، فافهم ، واللّه وليّ الفضل والإحسان والإرشاد.
وإذ قد ذكرنا في شرح كلمة « بسم » والاسم « اللّه » وحروفهما ما قدّر الحقّ ذكره ، مع تنبيهات جملية تتعلّق بالاسمين : « الرّحمن » « الرّحيم » فلنذكر في تفسيرهما من حيث ما يخصّهما ما يمليه الحقّ على القلب ، ويجري به القلم. فنقول :
الرّحمن الرّحيم
فلمّا انضاف إلى المراتب المتقدّمة - أعني التربيع التابع للتثليث - الأسرار الخمسة ، التي تضمّنها ظاهر الاسم « اللّه » تمّت الاثنا عشريّة المستوفية لمراتب الأسماء الكلّيّة ، والتالية
__________
(1). ق : الرقي.
(2). فاطر (35) الآية 20.
(3). الفرقان (25) الآية 5.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
129 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق