"ص : 152
فيمتنع وضع الاسم العلم له.
إنّما الممكن في حقّه سبحانه أن يذكر بالألفاظ الدالّة على صفاته ، كقولنا : « خالق » و « بارئ » و « محسن » ونحو ذلك.
ثم المقصود من وضع الاسم العلم له هو أن يتميّز ذلك المسمّى عمّا يشاركه في نوعه أو جنسه أو ما كان ، والحقّ منزّه عن أن يكون تحت جنس أو نوع ، أو يشاركه أحد ، فيمتنع وضع اسم علم له.
ثم إنّ الاسم العلم لا يوضع إلّا لما كان معلوما ، والخلق لا يعلمون الحقّ من حيث ذاته ، فكان وضع الاسم العلم له محالا.
وأيضا فالألفاظ إنّما تدلّ على ما تشخّص في الأذهان ، لا على ما في الأعيان ، ولهذا قيل : الألفاظ تدلّ على المعاني ، والمعاني هي التي عناها العاني ، وهي أمور ذهنيّة ، والدليل عليه أنّه إذا رئي جسم من بعيد ، وظنّ أنّه صخرة ، قيل : إنّه صخرة ، فإذا قرب وشوهدت حركته ، قيل : طير ، فإذا قرب جدّا « 1 » ، قيل : إنسان ، فاختلاف الأسماء لاختلاف التصوّرات الذهنيّة يدلّ على أنّ مدلول الألفاظ هو الصور الذهنيّة ، لا الأعيان الخارجيّة.
وممّا يؤيّد ما ذكرنا أنّ اللفظ لو دلّ على الوجود الخارجي لكان إذا قال إنسان : العالم قديم ، وقال غيره : العالم حادث ، لزم كون العالم قديما حادثا معا. أمّا إذا قلنا : الألفاظ دالّة على المعاني الذهنية ، كان هذان القولان دالّين على حصول هذين الحكمين من هذين الإنسانين بحسب تصوّرهما الذهني ، ولا تناقض في ذلك.
وإذا صحّ أنّ مدلول الألفاظ هو ما في الأذهان ، لا ما في الأعيان ، والذي في الأذهان أمور متشخّصة متقيّدة « 2 » متميّزة عن باقي المتشخّصات الذهنيّة ، والحقّ من حيث ذاته معتل عن سائر التشخّصات والتصوّرات الخارجيّة والذهنيّة والعقليّة ، فكيف تكون الألفاظ اليسيرة المركّبة - تركيبا جزئيّا - دالّة على ذاته المطلقة دلالة تامّة على سبيل المطابقة ، دون اشتراك بحكم وضعي ، « 3 » أو مفهوم مقيّد بقيد وضعي أو اصطلاحي؟! هذا تعذّره بيّن جدّا.
__________
(1). ب : جسدا.
(2). في بعض النسخ : مقيّدة.
(3). ق : وصفي.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
152 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق