"ص : 194
وكلّ فعل فلا يتعدّى مرتبة الصفة الغالبة ، الظاهرة الحكم فيه حين تعيّنه من فاعله.
والشرط في تعدّي الأفعال الحسنة وحكمها من الدنيا إلى الآخرة أمران هما الأصلان في باب المجازاة ودوام صور الأفعال من حيث نتائجها ، أحدهما : التوحيد ، والآخر : الإقرار بيوم الجزاء ، وأنّ الربّ الموجد « 1 » هو المجازي ، فإن لم يكن الباعث على الفعل أمرا إلهيّا كليّا ، أو معيّنا تابعا للأصلين وناتجا عنهما ، فإنّ الصورة المتشخّصة في العالم العلوي ، المتكوّنة « 2 » من فعل الإنسان لا تتعدّى السدرة ، ولا يظهر لها حكم إلّا فيما دون السدرة خارج الجنّة ، في المقام الذي يستقرّ فيه فاعله آخر الأمر ، هذا إن كان فعلا حسنا.
وإن كان سيّئا ، فإنّه - لعدم صعوده وخرقه عالم العناصر - يعود ، فتظهر نتيجته للفاعل سريعا ، وتضمحلّ وتفنى أو تبقى في السدرة لما يعطيه سرّ الجمع الكامن في النش ء الإنساني وما تقتضيه دار الدنيا ، الجامعة لأحكام المواطن كلّها. فإذا كان يوم الحشر ، ميّز اللّه الخبيث من الطيّب ، كما أخبر : وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ « 3 » الآية. وهذه صفة أفعال الأشقياء الذين لا يصعد لهم عمل حسن على اختلاف مراتبهم. والسرّ في ذلك أمران :
أحدهما : أنّ للكثرة « 4 » حكم الإمكان كما بيّنّا ولا بقاء لها ولا وجود إلّا بالتجلّي الوجودي الأحدي والحكم الجمعي ، فأيّ موجود لم يعقل استناده إلى أحديّة المرتبة الإلهيّة ، تلاشت أحكام كثرته وآثارها ، ولم تبق لعدم الاستناد إلى المرتبة التي بها يحفظ الحقّ ما يريد حفظه ، ولو لا انسحاب حكم ميثاق « ألست » ونفوذه بالسرّ الأوّل ، لتلاشى هو بالكلّيّة.
والأمر الآخر فيما ذكرنا يتضمّن « 5 » أسرارا غامضة جدّا ، يجب كتمها ، فأبقيناها في خزائن غيبها ، يظهرها الحقّ لمن شاء كيف شاء.
وأمّا الموحّدون ومن يكون فعله تابعا للأمر الإلهي الكلّي والجزئي المعيّن ، فإنّ صور أفعاله تنصبغ - كما قلنا - بصفة علمه ، ويسري فيها روح قصده ، ويحفظها الحقّ عليه من حيث رحمته وإحصائه بموجب حكم ربوبيّته.
__________
(1). في بعض النسخ : الموحّد.
(2). ق : المنكوبة.
(3). الأنفال (8) الآية 37.
(4). ق ، ه : الكثرة. [.....]
(5). ه : تتضمّن.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
194 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق