"ص : 223
قوله : الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ليس تكرّرا « 1 » لما في البسملة ، بل للواحد تخصيص حكم التعميم ، وللآخر تعميم حكم التخصيص. ومتعلّق أحدهما الحكم الدائم بمقتضى حكم معنى الأمر باطنا مطلقا ، للآخر الحكم المقدّر « 2 » المشروط ظاهرا وباطنا.
وسرّ ذلك وتفصيله أنّ الرحمة رحمتان : رحمة ذاتيّة مطلقة امتنانيّة ، هي التي وسعت كلّ شي ء ، ومن حكمها الساري في الذوات رحمة الشي ء بنفسه وفيها ، تقع من كلّ رحيم بنفسه بالإحسان أو الإساءة بصورة الانتقام والقهر فإنّ كلّ ذلك من المحسن والمنتقم رحمة بنفسه ، فافهم. ومن حيث هذه الرحمة وصف الحقّ نفسه بالحبّ وشدّة الشوق إلى لقاء أحبّائه ، وهذه المحبّة بهذه الرحمة لا سبب لها ولا موجب ، وليست في مقابلة شي ء من الصفات والأفعال وغيرهما وإليها أشارت رابعة - رضي اللّه عنها - بقولها :
أحبّك حبّين : حبّ الهوى وحبّا لأنّك أهل لذاكا
فأمّا الذي هو حبّ الهوى فذكرك في السرّ حتى أراكا
فأمّا الذي أنت أهل له فشغلي بذكرك عمّن سواكا
ولا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا « 3 »
فحبّ الهوى لمناسبة ذاتيّة غير معلّلة بشي ء غير الذات. وأمّا حبّ أنّك أهل لذاكا فسببه المثمر له هو العلم بالأهليّة. ولهذه الرحمة من صور الإحسان كلّ عطاء يقع لا عن سؤال أو حاجة ولا لسابقة حقّ أو استحقاق لوصف ثابت للمعطى له أو حال مرضيّ يكون عليه هذا مطلقا.
ومن تخصيصاته الدرجات والخيرات الحاصلة في الجنّة لقوم بالسرّ المسمّى في الجمهور عناية ، لا لعمل عملوه أو خير قدّموه.
ولهذا ثبت كشفا أنّ الجنّات ثلاث : جنّة الأعمال ، وجنّة الميراث ، وجنّة الاختصاص.
وقد نبّه على جميع ذلك في الكتاب والسنّة ، وورد في المعنى : أنّه يبقى في الجنّة مواضع خالية يملأها اللّه بخلق يخلقهم لم يعملوا خيرا قطّ ، إمضاء لسابق حكمه وقوله تعالى :
__________
(1). ق : تكرارا.
(2). ق : المقيّد.
(3). ق : الأبيات الثلاثة الأخيرة غير موجودة.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
223 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق