"ص : 232
وفصّلنا في ذلك ما يغني عن إعادة الخوض فيه والإطناب.
ولمّا كان كلّ اسم من أسماء الحقّ سببا لظهور صنف مّا من العالم ، كان قبلة له ، فاسم ظهرت عنه الأرواح ، وآخر ظهرت عنه الصور البسيطة بالنسبة ، وآخر ظهرت عنه الطبائع والمركّبات ، وكلّ واحد من المولّدات أيضا ظهر باسم مخصوص عيّنته مرتبة الظاهر به ، بل حال المظهر واستعداده الذاتي غير المجعول ، ثم صار بعد قبلة له في توجّهه وعبادته لا يعرف الحقّ إلّا من تلك الحيثيّة ولا يستند إليه إلّا من تلك الحضرة ، وحظّه من مطلق صورة الحضرة بمقدار نسبة ذلك الاسم من الأمر الجامع لمراتب الأسماء كلّها والصفات.
وأمّا الإنسان فلمّا توقّف ظهور صورته على توجّه الحقّ بالكلّيّة إليه حال إيجاده ، وباليدين ، كما أخبر سبحانه ولإحدى يديه الغيب ، وللأخرى الشهادة ، وعن الواحدة « 1 » ظهرت الأرواح القدسيّة ، وعن الأخرى ظهرت الطبيعة والأجسام والصور ، ولهذا كان الإنسان جامعا لعلم الأسماء كلّها ومنصبغا بحكم حضراتها أجمع ، ما اختصّ منها بالصور وكلّ ما يوصف بالظهور ، وما اختصّ منها بكلّ ما بطن من الأرواح وغيرها ، ممّا يوصف بالغيب والخفاء ، فلم يتقيّد بمقام يحصره حصر الملائكة ، كما أشارت بقولها : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ. « 2 » ولا حصر الأجسام الطبيعيّة ، وبذا وردت الإخبارات الإلهيّة بلسان الشرائع وغيرها فتوجّه الإنسان الحقيقي - إن تحرّر من رقّ المقامات ، وارتقى وخلص بالاعتدال الكمالي الوسطي عن أحكام جذبات الأطراف والانحرافات - إلى حضرة الهويّة التي لها أحديّة جمع الجمع ، المنعوتة بالظهور والبطون ، والأوّليّة والآخريّة والجمع والتفصيل ، وقد مرّ للمتأمّل في الحديث عنها ما قدّر ذكره وبيانه ، وسنزيد ذلك تفصيلا ، - إن شاء اللّه تعالى - وإن مال - أعني الإنسان - عن الوسط المشار إليه إلى طرف لمناسبة جاذبة قاهرة ، وغلب عليه حكم بعض الأسماء والمراتب فانحرف ، استقرّ في دائرة ذلك الاسم الغالب ، وارتبط به وانتسب إليه ، وعبد « 3 » الحقّ من حيث مرتبته ، واعتمد عليه ، وصار ذلك الاسم منتهى مرماه وغاية مبتغاه ووجهه « 4 » من حيث حاله ومقامه ، حتى يتعدّاه.
__________
(1). ه : الواحد.
(2). الصافّات (37) الآية 164.
(3). ق : عند.
(4). ه : وجهة ، ق : وجهته.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
232 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق