"ص : 244
وإذا تقرّر هذا ، فاعلم ، أنّ العبارات اختلفت في تعريف حضرة أحديّة الجمع ، وكلّها صحيحة.
فإن قلت : إنّها الحقيقة الإنسانيّة الإلهيّة الكماليّة ، التي « 1 » كان كلّ إنسان كامل من حيث صورته الظاهرة مظهرا لتلك الحقيقة ولوازمها ، صدقت ، وإن سمّيتها برزخ الحضرتين :
الإلهيّة والكونيّة لكونها مشتملة على جميع الأحكام الإلهيّة والإمكانيّة ، مع أنّها ليست بشي ء زائد على معقوليّة أحديّة جمعها كسائر البرازخ ، صدقت أيضا.
وإن سمّيتها مرآة الحضرتين ، أو أنّها مرتبة صورة الحقّ والإنسان الكامل من غير تعديد ، والحدّ الفاصل بين ما تعيّن من الحقّ ، وكان مجلى لما لم يتعيّن منه ولم يتعدّد ، صدقت ، فكلّ ذلك ذاتي لها دائما أزلا وأبدا. وتقيّد الكمّل الذين هم أصحاب هذه المرتبة ، من حيث بعض النشآت التي يظهرون بها بالزمان ، لا يقدح فيما أصّلنا ، ولا ينافي ما ذكرنا وقرّرنا.
ثم نقول : الإنسان الكامل في كلّ عصر من حيث أحد وجهي هذه المرتبة - أعني الوجه الذي يلي غيب ذات الحقّ ولا يغايره ولا يمتاز عنه - يترجم ، عن غيب الذات وشؤونها التي هي حقائق الأسماء ب « نحن » و « إنّا » و « لدينا » ونحو ذلك ، ومن حيث الوجه الآخر الذي ينطبع فيه الأعيان وأحوالها يترجم عنها وعنه من حيث هي وبلسانها ، ومن حيث هو أيضا بلسان جمعيّة خصوصيّته وما حوته ذاته من الأجزاء والخصائص والصفات والقوى الروحانيّة والجسمانيّة الطبيعيّة ب « نعبد » و « نستعين » و « اهدنا » ونحو ذلك ، لإحاطة مرتبته « 2 » الكماليّة هذه ، الطرفين وما اشتملا عليه غيبا وشهادة ، روحا وجسما ، عموما وخصوصا ، قوّة وفعلا ، إجمالا وتفصيلا ، فافهم ، وأمعن التأمّل ، وراجع ربّك بالتضرّع والافتقار فإنّه إن فكّ لك ختم هذا الكلام ، عرفت سرّ الربوبيّة والعبوديّة في كلّ شي ء ، وسرّ العبادة والتوجّه والطلب والفوز والحرمان ، وتحقّقت أنّ كلّ عابد متوجّه من حيث فرعيّته وخلقيّته ، إلى أصله الإلهي المتعيّن به من مطلق غيب الذات في المرآة المذكورة الكماليّة الإنسانيّة الإلهيّة ، بانعكاس حكميّ راجع من عرصة الإمكان ، إلى المرآة المذكورة ، فإيّاه يعبد ، وإليه يتوجّه ، ومنه بدأ ، وإليه يعود.
__________
(1). ق ، ه : الذي.
(2). ه : مرتبة.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
244 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق