"ص : 253
على الأشياء صورة الخلاف الذي وصفت به ، وبسرّ الإحاطة والمعيّة الذاتيّة الأحديّة حصل بين الأضداد الائتلاف ، فانتبه ، وإليه يرجع الأمر كلّه ، وما حرم كشفه ، فلا أبديه ولا أحلّه.
وممّا نبّه الحقّ سبحانه الألبّاء على أنّه في البداية الغاية والطريق المتعيّن بينهما بحسب كلّ منهما قوله بلسان هود - على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام - : إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، « 1 » فأشار إلى أنّه هو الذي يمشي بها ، ثم قال : إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ « 2 » فهم على صراط مستقيم ، من حيث إنّهم تابعون بالقهر لمن يمشي بهم ، وهذه هي الاستقامة المطلقة ، التي لا تفاوت فيها ، ولا فائدة من حيث مطلق الأخذ بالنواصي ومطلق المشي ، كما مرّ.
ونبّه في الذوق المحمّدي على سرّ هذا المقام بنمط آخر أتمّ ، فقال : قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، « 3 » تنبيه منه أنّ الدعوة إلى الله ممّا هو المدعوّ حاصل فيه وعليه إيهام من وجه بأنّ الحقّ متعيّن في الغاية ، مفقود في الأمر الحاضر.
ولمّا كان حرف « إلى » المذكور في قوله : أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ حرفا يدلّ على الغاية ويوهم التحديد ، أمره أن ينبّه أهل اليقظة واليقين على سرّ ذلك ، فكأنّه يقول لهم : إنّي وإن دعوتكم إلى الله بصورة إعراض وإقبال ، فليس ذلك لعدم معرفتي أنّ الحقّ مع كلّ ما أعرض « 4 » عنه المعرض كهو مع ما أقبل عليه ، لم يعدم من البداية فيطلب في الغاية ، بل أنا ومن اتّبعني في دعوة الخلق إلى الحقّ على بصيرة من الأمر ، وما أنا من المشركين ، أي : لو اعتقدت شيئا من هذا ، كنت محدّدا للحق ، ومحجوبا عنه ، فكنت إذا مشركا ، وسبحان الله أن يكون محدودا متعيّنا في جهة دون جهة أو منقسما ، أو أن أكون من المشركين الظانّين بالله ظنّ السوء.
وإنّما موجب الدعوة إلى الله اختلاف مراتب أسمائه بحسب اختلاف أحوال من
__________
(1) و(2). هود (11) الآية 56.
(3). يوسف (12) الآية 108.
(4). ق : عرض.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
253 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق