"ص : 34
فعلموا أنّ كلّ فرد فرد من أفراد صوره مظهر ومثال لحقيقة معنويّة غيبيّة ، وأنّ نسبة أعضاء الإنسان - الذي هو النسخة الجامعة - إلى قواه الباطنة نسبة صورة العالم إلى حقائقه الباطنة ، والحكم كالحكم فحال بصر الإنسان بالنسبة إلى المبصرات كحال البصيرة بالنسبة إلى المعقولات المعنويّة ، والمعلومات الغيبيّة ، ولمّا عجز البصر عن إدراك المبصرات الحقيرة مثل الذرّات والهباءات « 1 » ونحوهما ، وعن المبصرات العاليّة كوسط قرص الشمس عند كمال نوره ، فإنّه يتخيّل فيه سوادا لعجزه عن إدراكه ، مع أنّا نعلم أنّ الوسط منبع الأنوار والأشعّة ، ظهر أنّ تعلّق الإدراك البصري بما في طرفي الإفراط والتفريط من الخفاء التامّ والظهور التامّ متعذّر كما هو الأمر في النور المحض والظلمة المحضة في كونهما حجابين ، وأنّ بالمتوسّط بينهما الناتج منهما - وهو الضياء - تحصل الفائدة كما ستعرفه - إن شاء اللّه تعالى - .
فكذلك العقول والبصائر إنّما تدرك المعقولات والمعلومات المتوسّطة في الحقارة والعلوّ ، وتعجز عن المعقولات الحقيرة ، مثل مراتب الأمزجة والتغيّرات الجزئيّة على التعيين والتفصيل ، كالنماء والذبول في كلّ آن ، وعن إدراك الحقائق العاليّة القاهرة أيضا ، مثل ذات الحقّ جلّ وتعالى ، وحقائق أسمائه وصفاته إلّا باللّه ، كما ذكرنا.
ورأوا أيضا أنّ من الأشياء ما تعذّر عليهم إدراكه للبعد المفرط ، كحركة الحيوان « 2 » الصغير من المسافة البعيدة ، وكحركة جرم الشمس والكواكب في كلّ آن ، وهكذا الأمر في القرب المفرط ، فإنّ الهواء لاتّصاله بالحدقة يتعذّر إدراكه وكنفس الحدقة ، هذا في باب المبصرات ، وفي باب المعقولات والبصائر كالنفس التي هي المدركة من الإنسان ، وأقرب الأشياء نسبة إليه ، فيدرك الإنسان غيره ، ولا يدرك نفسه وحقيقته ، فتحقّق بهذا الطريق أيضا عجز البصائر والأبصار عن إدراك الحقائق الوجوديّة الإلهيّة والكونيّة ، وما تشتمل عليه من المعاني والأسرار. وظهر أنّ العلم الصحيح لا يحصل بالكسب والتعمّل ، ولا تستقلّ القوى البشريّة بتحصيله « 3 » ما لم تجد الحقّ بالفيض الأقدس الغيبي ، والإمداد بالتجلّي النوري العلمي الذاتي الآتي حديثه لكن قبول التجلّي يتوقّف على استعداد مثبت
__________
(1). ه : ألهيآت.
(2). الحيواني.
(3). ق : بتحصيل.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
34 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق