"ص : 35
للمناسبة بين الملتجلّي والمتجلّى له ، حتى يصحّ الارتباط الذي يتوقّف عليه الأثر ، فإنّ لكلّ تجلّ في كلّ متجلّى له حكما وأثرا وصورة لا محالة أوّلها الحال الشهودي الذي يتضمّنه العلم الذوقي المحقّق ، هذا مع أنّ نفس التجلّي من حيث تعيّنه وظهوره من الغيب المطلق الذاتي هو تأثير « 1 » إلهي متعيّن من حضرة الذات في مرتبة المتجلّى له إذ هو المعيّن والمخصّص ، فافهم.
والأثر من كلّ مؤثّر في كلّ مؤثّر فيه ، لا يصحّ بدون الارتباط ، والارتباط لا يكون إلّا بمناسبة ، والمناسبة نسبة معنويّة لا تعقل إلّا بين المتناسبين. « 2 » ولا خلاف بين سائر المحقّقين من أهل الشرائع والأذواق والعقول السليمة [في ] « 3 » أنّ حقيقة الحقّ سبحانه مجهولة ، لا يحيط بها علم أحد سواه لعدم المناسبة بين الحقّ من حيث ذاته وبين خلقه إذ لو ثبت المناسبة من وجه ، لكان الحقّ من ذلك الوجه مشابها للخلق ، مع امتيازه عنهم بما عدا ذلك الوجه وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فيلزم التركيب المؤذن بالفقر والإمكان المنافي للغنى والأحديّة ، ولكان الخلق أيضا - مع كونه ممكنا بالذات ومخلوقا - مماثلا للحقّ من وجه لأنّ من ماثل شيئا فقد ماثله ذلك الشي ء ، والحقّ الواحد الغنيّ الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ « 4 » يتعالى عن كلّ هذا وسواه ممّا لا يليق به.
ومع صحّة ما ذكرنا من الأمر المتّفق عليه ، فإنّ تأثير الحقّ في الخلق غير مشكوك فيه فأشكل الجمع بين الأمرين ، وعزّ الاطّلاع المحقّق على الأمر الكاشف لهذا السرّ ، مع أنّ جمهور الناس يظنّون أنّه في غاية الجلاء والوضوح وليس كذلك وأنا ألمع لك ببعض أسراره - إن شاء اللّه تعالى - فأقول :
سرّ الجهل بحقيقة اللّه تعالى
فأقول : إذا شاء الحقّ - سبحانه وتعالى - أن يطّلع على هذا الأمر بعض عباده عرّفهم أوّلا بسرّ نعت ذاته الغنيّة عن العالمين بالألوهيّة وما يتبعها من الأسماء والصفات والنعوت ثم
__________
(1). ق : تأثر.
(2). ق : المناسبين.
(3). ق : السليمة شرائع.
(4). الشورى (42) الآية 110.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
35 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق