"ص : 269
النبوّة الآتية بصورة الهدايات ، والدالّة على غايات الكمالات ، وأطلعك على سرّ الاستقامة والاعوجاج والمبادئ والغايات وما يختصّ بجميع ذلك - إن شاء اللّه تعالى - فأقول :
أوّل مرتبة الرشاد في الصراط الخصوصي المشروع الإسلام وله التنبيه الإجمالي على حكم التوحيد الكلّي المرتبي والانقياد للّه الموجد ، الذي لا يجهل أحد الاستناد إليه ولا الانقياد « 1 » له ، وله فروع من الأحكام والأحوال ، وتلبّس الإنسان بتلك الأحوال وانقياده لتلك الأحكام هو سيره في مراتب الإسلام ودرجاته ، حتى ينفذ منه إلى دائرة الإيمان ، وهكذا حاله في دائرة الإيمان بالأحكام والأحوال المختصّة به ، حتى ينتهي إلى حال الطائفة التي ذكرناها آنفا وقلنا : إنّها تلي طائفة العرفان والكشف والشهود.
ومبدأ الشروع في درجات الكمال الإيماني من مقام التوبة ، فالصراط المستقيم العدل الوسط في التوبة عبارة عن التلبّس بالحالة الخالصة من الشوائب المنافية للصدق ، والجزم عند قصد الإنابة بحيث تكون التوبة طاهرة من كلّ ما يشينها مقبولة ثابتة الحكم ، ثم التصديق الخاصّ بأنّ اللّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويعلم ما يفعل عباده.
وفي قوله سبحانه في هذه الآية : وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ « 2 » ، تنبيه على هذا الإيمان المشار إليه فإنّ الإيمان - كما علمت - التصديق ، فمن صدّق اللّه في إخباره أنّه يعلم ما يفعلون « 3 » ، لم يقدم متجاسرا على ما يكره لأنّه من الضعف بمثابة أنّه لو نهاه مخلوق مثله - ممّن له عليه تسلّط - عن أمر مّا ، وعرف أنّه كاره لذلك الأمر ، ثم تأتّى له فعل « 4 » ذلك الأمر مع وفور الرغبة ووجدان الاستطاعة لكنّه بمرأى من ذلك المتسلّط الناهي ومسمع ، فإنّه لا يقدم على ارتكاب ذلك الفعل أبدا وإن توفّرت رغبته « 5 » إلى أقصى الغاية ، بل مجرّد الحياء من معاينته له مع تقدير الأمن من غائلته يصدّه عن ذلك ، فكيف به إذا لم يتحقّق الأمن ، فهذا النحو من الإيمان ليس هو نفس الإيمان باللّه وكتبه ورسله على سبيل الإجمال ، بل هذا إيمان خاصّ.
__________
(1). ق : الانفعال.
(2). الشورى (42) الآية 25.
(3). ق : يفعل.
(4). ه : فصل.
(5). ه : رغبة.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
269 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق