"ص : 176
وكلّ موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها ، وعلى هذه المراتب الثلاث تنقسم أحكام الرحمة في السعداء والأشقياء ، والمتنعّمين بنفوسهم دون أبدانهم ، كالأرواح المجرّدة وبالعكس ، والجامعين بين الأمرين والسعداء في الجنّة أيضا من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدّموا في جنّة الأعمال ما يستوجبون به النعيم الصوري ، وإن كان ، فنزر يسير بالنسبة إلى سواهم ، وعكس ذلك كالزهّاد والعبّاد الذين لا علم لهم باللّه ، فإنّ أرواحهم قليلة الحظّ من النعيم الروحاني ، لعدم المناسبة بينهم وبين الحضرات الإلهيّة العلميّة ، ولهذا - أي لعدم المناسبة - لم يتعلّق هممهم زمان العمل بما وراء العمل وثمرته ، بل ظنّوه الغاية ، فوقفوا عنده واقتصروا عليه ، رغبة فيما وعدوا به أو رهبة ممّا حذّروا منه.
وأمّا الجامعون بين النعيمين تماما فهم الفائزون بالحظّ الكامل في العلم والعمل كالرسل - صلوات اللّه عليهم - ومن كملت وراثته منهم أعني الكمّل من الأولياء.
ولمّا كانت الرحمة عين الوجود ، والوجود هو النور ، والحكم العدميّ له الظلمة ، كما نبّهتك عليه ، كان كلّ من ظهر فيه حكم النور « 1 » أتمّ وأشمل ، فهو أحقّ العباد نسبة إلى الحقّ وأكمل ، ولهذا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ربّه أن ينوّر ظاهره ، وعدّد الأعضاء الظاهرة كالشعر والجلد واللحم وغير ذلك ، ثمّ عدّد القوى الباطنة كالقلب والسمع والبصر ، فلمّا فرغ من التفصيل ، نطق بلسان أحديّة جمعه ،
فقال : « اجعل لي نورا واجعلني نورا » « 2 » .
وهذا هو عموم حكم الرحمة ظاهرا وباطنا ، وإجمالا وتفصيلا من جميع الوجوه.
وصاحب هذا المقام لا يبقى فيه من الحكم الإمكاني الذي له وجه إلى العدم إلّا نسبة واحدة من وجه واحد ، بها تثبت عبوديّته ، وبها يمتاز عمّن هو على صورته ، وتذكّر تعريف الحقّ سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه وآله بأنّه أرسل رحمة للعالمين ، وأنّه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، وتضرّع إلى اللّه في أن ترث من هذا السيد الأكمل هذا المقام الأشرف الأفضل ، وصاحبه هو الإنسان الكامل ، والحال المذكور هو من أكبر « 3 » أجزاء حدّ الكمال ، ومن أتمّ الأوصاف المختصّة به ،
__________
(1). ق : النور فيه.
(2). ر. ك : معجم مستدرك الوسائل ، ج 5 ، ص 78.
(3). ب : الأكمل.
Post Top Ad
الأربعاء، 17 فبراير 2021
176 إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن الصفحة
التصنيف:
# إعجاز البيان فى تفسير أم القرآن
عن Tech News
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق